تتميز المساحة الجغرافية التي تقع عليها مديرية
الديس الشرقية و ما حولها بغناها بالآثار التي تمثل حقبات تاريخية مختلفة ، فقد ذكر لي
الدكتور عبد العزيز بن عقيل إن منطقة ساحل حضرموت و أحواضه كانت مجالاً
للنشاط البشري منذ فجر التاريخ :
فهناك آثار
ما قبل عصور الكتابة و النقوش : فمن
تلك الآثار فقد تم العثور على آثار من العصر الحجري القديم الأعلى ( العصر
الأشوري ) و هذه الآثار وجدت على ضفاف وادي قيف ، و هي أدوات سطحية ، كما
تم العثور على أدوات صيد حجرية تنتمي للعصر الحجري الحديث ( النيولوسي )
قبل حوالي عشرة آلاف سنة قبل الميلاد في حوض
الديس و حواليه .، أيضاً وجد بالقرب من البحر على مصب وادي عمر كومة من الأصداف
القديمة التي استخرج منها الغذاء قبل حوالي 6000 سنة قبل الميلاد ، أيضاً
وجود آثار من العصر الجاهلي ( البرونزي ) قبل 3000 ـ 4000 قبل الميلاد و هي
عبارة قبور دائرية ( مقابر عرومية ) ، تسمى عند أهل البادية ( الرزم ) و
هي منتشرة في كثير من مناطق الساحل في الحامي و حوالي
الديس في حلفون و في شرمة و غيرها .
آثار من فترة الحضارة اليمنية : حيث دلت الدلائل على وجود كتابات حميرية و مخربشات في كثير من المناطق و
خاصة في مناطق طرق القوافل القديمة مثل منطقة حمورة و الجاهلية و مشبأ و
غيرها ....، و قد وجدت في منطقة خلفة عملات قديمة حسب الروايات المحلية تدل
على إن هذا الساحل قد استخدم في يومٍ بوصفه مرفأ مؤقت لتفادي سيطرة الدولة
المركزية و التهرب من الضرائب .
آثار الفترة الإسلامية : و هي كثيرة جدا و تنتشر في كثير من المواقع مثل المساجد القديمة و المقابر و القباب و الزوايا و القصور و منظومات الري و .. غيرها .
توجد بالقرب من منطقة يضغط العديد من الآثار التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ، ومن أهم هذه المواقع :
( 1) منطقة أبوظبي : منطقة صناعة الفخار في العصر العباسي
اسم قديم يطلق على المنطقة ربما قبل أسم إمارة أبو ظبي بالإمارات العربية
المتحدة ، يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من قرية يضغط ، و يعتقد بعض الأهالي
بأن به كنوزاً مطمورة ، و ذلك لما يشاهد فيها من أكوام الكهوف الفخارية
التي خلفتها أيادي الصنّاع ، و تتناثر في هذا الموقع أيضاً قطع من الزجاج
على شكل قطع من الاسطوانات الزجاجية المختلفة الألوان ، و هناك أيضاً قطع
أخرى للأواني أو الأوعية المنزلية الفخارية ، كما يلاحظ في بعض المواقع قطع
أخرى شبه زجاجية أو أشباه فناجين صين ، و أخرى تستخدمها النساء كحلي
للزينة . و أساسات مباني قديمة و أكوام كهوف مهدمة .
بالقرب
من الموقع توجد عدد من الآبار المطمورة القديمة ، و التي تم إعادة حفرها
حديثاً من قبل بعض الأهالي فلم يجدوا إلا قليلاً من الماء ، و يعتقد إن هذه
الآبار المائية كانت رافداً لتنشيط هذه المصانع أو المعامل .
و
هذا الموقع من المواقع التي بحثت فيها البعثة الفرنسية بقيادة الباحثة
إكسيل روجيل و التي أكدت إن تاريخ هذه الآثار يعود إلى العصر العباسي ، و
إن المنطقة عبارة عن مجمع صناعي لصناعة الفخار و الزجاج . إلا إن بحث
البعثة الفرنسية في الموقع لم يستغرق فترة كافية ، و إنه لم تتم عمليات حفر
واسعة لكشف ما تحت تلك الطبقات السطحية من مبانٍ و مواد ، حيث اقتصرت
حفريات البعثة على حفر شبه سطحي لبعض المواقع و أخد عينات من القطع
الفخارية و الزجاجية .
( 2 ) منطقة كثيرة : وهي
عبارة عن تل مرتع نسبياً عما حوله ، و تقع منطقة كثيرة إلى الجنوب مباشرة
من منطقة أبوظبي ، و يوجد غرب هذه المنطقة عدة مواقع أثرية :
أ- فهناك آثار أساسات لمبنى ضخم يتكون من حوالي خمسة عشر حجرة على شكل
مربعات ملاصقة بعضها بعضاً ، يعتقد إن هذه الآثار لمجمع صناعي ضخم و إن بعض
هذه الحجرات عبارة عن مستودعات لذلك المجمع . و لمعرفة تفاصيل هذا المبنى
يحتاج إلى حفريات للوصول إلى أساساته و إزالة اللثام عنه .
ج- المقبرة القديمة : إلى جهة الجنوب الغربي من أساسات المجمع الصناعي
توجد مقبرة إسلامية قديمة تعود إلى مئات السنين ، و عند تفحصنا لتلك
المقبرة وجدنا كتابات على شهود أحد القبور لآل النميري و القبر للمرحوم
محمد بن أحمد النميري الذي توفي في شهر ذو القعدة سنة 1135هـ أي قبل حوالي
295 سنة من الآن ، و لا شك إن هذا القبر لأحد أعيان آل النميري ، و إن هناك
قبور أخرى يعود تاريخها قبل تاريخ هذا القبر .
د- وجود آثار لينابيع و جروب كثيرة سالفة في القدم لا طائل لذكرها .
ه- تمر جنوب منطقة كثيرة الطريق القديمة للمشاة و قوافل الإبل القافلة من
المعراب إلى المشقاص شرقاً و العكس ، و عند ظهور السيارت في النصف الأول من
القرن الماضي شُقت هذه الطريق لتصبح طريقاً للسيارات ، وظل الحال كذلك إلى
إن مد خط الإسفلت في عام 1985م حيث انتقلت الطريق إليه .
و- توجد بهذا الموقع أيضاً آثار سطحية عبارة عن قطع فخار و زجاج و بقايا حلي نسائية مصنوعة من مادة حجرية شبه زجاجية .
من خلال ما سبق يتضح إن هذه المنطقة كانت منطقة صناعية لصناعة الفخار و الخزف و الزجاج حيث تتوفر مقومات هذه الصناعة و هي :
1. المواد الخام لهذه الصناعة حيث تتمحور هذه المعامل بالقرب من القفاقف
الحمراء التي تحتوي المواد الصخرية اللازمة لهذه الصناعة ، يوجد في الجهة
الشمالية من الموقع جبل من الطين ( القاصة ) و هي طين ناعمة ، إلى جانبها
يوجد الطين الخشن نسبياً و هو عبارة رمل أملس ذهبي اللون و التي تظهر فيه
آثار الحفر حيث أخذت من هذا الجبل الرسوبي كميات كبيرة من هذه المادة
لصناعة الفخار و الزجاج .
2. المياه : تحتاج صناعة الفخار و الزجاج إلى كميات لا بأس بها من المياه
لعجن الطين به ، حيث عثرنا على آثار ثلاثة آبار قديمة يحتمل أن تكون هذه
الآبار هي الرافدة لهذه الصناعات بالمياه اللازمة التي تحتاجها.
3. الوقود : تحتاح هذه الصناعة للوقود لحرق عجينة الفخار و انصهار الزجاج ،
حيث توجد بالمنطقة كميات كبيرة من الأشجار التي يمكن أن تستغل أخشابها
كوقود لهذه الصناعة .
4. ازدهار ميناء شرمة في نفس فترة ازدهار هذه الصناعة كميناء ظهير لتصدير
هذه المصنوعات و تسويقها في الخارج ، إلا إن بعض الباحثين يرون إن الفخار
الذي كان يصدر من ميناء شرمة من الفخار المستورد من الخارج حيث إن ميناء
شرمة كان ميناء ترانزيت .
5. القوى البشرية : تحتاج هذه الصناعة إلى قوى بشرية ماهرة بها ، و لا شك
إن هذه المنطقة يوجد نسبة لا بأس بها من السكان بدليل وجود المقابر القديمة
و الكبيرة المساحة التي على هذه المنطقة كانت معمورة بالسكان و لابد أن
يكون منهم صناع مهرة بهذه الصناعة .
معامل الفخار : توجد آثار لعدة معامل متناثرة في الموقع و هي تنتج مجموعة كبيرة من الأشكال
مثل : الجرة ، البرمة ، المبخرة ، القدور ، الجحال ، الأكواز ، التنور ...
و غيرها من الأواني المنزلية . يمر الطين بمراحل عدة حيث يجلب من التلال
المحيطة بالمعامل إذ يقوم العامل بضربه وطحنه ونخله ثم يوضع في الماء
لتصفيته، وبعد مدة تتراوح الساعة والاثنتي عشرة ساعة يمر الطين بعملية
التشكيل وبين يدي الصانع لإعطائه الشكل المطلوب ، ثم يعرض الفخار في الظل
لمدة ثلاثة أيام للأشكال الدقيقة والكبيرة ، ولمدة قصيرة في الشمس للأعمال
العادية ، وبعد جفافه يوضع في الفرن لمدة محدودة تقدر بثلاثة أيام ليأخذ
شكله النهائي ، ثم يسحب بعد الحرق .
معامل الخزف :بالإضافة
إلى صناعة الفخار هناك آثار تدل على وجود صناعة الخزف حيث تم العثور على
بقايا قطع خزفية لفناجين صين و وقطع خزفية لحلي تستخدمها النساء للزينة ،
حيث إن الجانب الفني في صناعة الخزف يكمن من خلال التصوير والحفر والزخرفة
وتشكيل الأناء وخلط الطينة ، و يعد فن الخزف من أعقد الفنون وأقدمها لدى
الفنان الشرقي ، فمنذ عصور قديمة والفنان يخرج التحف الرائعة التي تجدها في
آثار قدماء المصريين والصينيين و وجود الخزف في منطقة يضغط يدل وجود حضارة
كانت سائدة في هذه المنطقة .
معامل الزجاج : تتواجد أجزاء من قطع الزجاج من مواقع متناثرة في هذه المنطقة ، و قطع
لأسطوانات زجاجية ذات ألوان مختلفة بكميات كبيرة ، مما يدل على وجود صناعة
للزجاج في هذه المنطقة لوجود الرمل الناعم الذهبي اللون الذي يحتوي على
مادة السليكا التي هي المادة الأساسية لهذه الصناعة ووجود كميات من الحجر
الجيري الذي يسمى أيضا الجبس في الصخور الكلسية المحيطة بالموقع و ربما
تحتاج هذه الصناعة إلى مادة الصودا ، و يلاحظ وجود قطع الزجاج بألوان
مختلفة مثل اللون الأخضر و اللون الأزرق ، ووجود الزجاج الملون ينتج نتيجة
إضافة بعض المواد الكيميائية أثناء الصهر فللحصول على زجاج أخضر تضاف مادة
الكروم وللحصول على زجاج ازرق يضاف الكوبالت وهكذ .. و ربما يتم استخراج
هذه المواد من البيئة المحيطة بالمنطقة ..
فكيف عرف أجدادنا هذه المواد الكيميائية و هذه المركبات
؟ و كيف استخرجوها من الطبيعة ؟ و كيف تفننوا في معالجتها و تشكيلها و
تلوينها و زخرفتها ؟ إنهم أجدادنا الصنّاع الأوائل رحمهم الله رحمة الأبرار
.
إن دورنا نحن الأحفاد أن نحيي مآثر الأجداد ، و أن نقتفي أثرهم ، و أن
نقتبس من علومهم و خبراتهم لذا ندعو من هذا المنبر ( منتديات وادي عمر )
إلى المحافظة على بقية آثار هذه المنطقة من الاندثار ، و تعريف العالم بهذه
الآثار ، و الاستفادة من مقومات هذه الصناعة بإقامة مصانع
للخزف و الفخار و الزجاج مع المحافظة على آثار أجدادنا .