بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد النبي الهادي الأمين
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما نافعا يا رب العالمين
أهلا بأعضائنا الكرام زوار قسمنا الغالي . . القسم العام . . أهلا بكم
اليوم سيكون موعدنا مع رحلة شيقة الى أجواء بلاد ما بين النهرين ولكنها رحلة من نوع آخر لأننا سنترك حاضرنا ونذهب الى الماضي لنتصفحه سويا
رحلة شيقة ممتعة سنقابل بها أسماء مدن وأشخاص لم نكن نعرفهم كما سنعرف ما هي ثقافة شعب هذه البلاد . . ابقوا معنا . .
[center]
بلاد النهرين والتي تعرف الآن باسم العراق هي الأراضي الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات أو خارجها وقريبة منها وتشكل ذلك الوادي الخصيب بخيراته الزراعية الوفيرة والذي كان حلما ومطمعا لكافة القوى القريبة جغرافيا من موقعه فقدر له أن يلعب دورا تاريخيا هاما ومؤثرا في تاريخ البشرية وكان بمثابة بوتقة انصهرت داخلها سمات وصفات عديدة وخصائص حضارات وأجناس شتى ولتقدم للانسانية في النهاية تجربة فريدة غير متكررة في التاريخ الانساني
هذا وقد أطلق اليونانيون القدماء على هذه البلاد اسم بلاد ما بين النهرين والتي تعرف في اللغة الاغريقية باسم الميزوبوتاميا
[size=21]Mesopotamia
ونعرض لهذه الحضارة جانبا من بعض ملامح النظم القانونية والاجتماعية التي سادت فيها حتى بدايات القرن الرابع قبل الميلاد تقريبا وذلك عندما بدأت جحافل جيوش الاغريق في الاقتراب منها لغزوها ونشر ثقافتها هناك ضمن مشروع الامبراطورية العالمية التي سعى الاكندر المقدوني الى تحقيقها
اذا سينقسم موضوعي لبحث أوجه عديدة أولها معالم النظام الاجتماعي والجذور التاريخية للسكان ثم دراسة مصادر القانون في بلاد النهرين لنتوجه أخيرا الى ملامح القانون العام والقانون الخاص في الميزوبوتاميا
ما بين نهر دجلة والفرات يقع وادي خصيب كثير الخيرات تعيش فيه بعض القبائل المنحدرة عن بدو الصحراء وذلك منذ 4000 سنة
هذا وقد وفد السومريون من الشمال وكانوا من القبائل البيضاء البشرة الساكنة الجبال يعبدون آلهتهم على قمم الجبال فلما غزوا هذا الوادي شيدوا تلالا صغيرة ابتنوا معابدهم فوق قممها ولم يكونوا يعرفون كيف يشيدون السلالم فأحاطوا أبراجهم بدهاليز منحدرة بديلا عنها
لا يزل أثر منها قائم للآن ماثل في برج بابل كما أخذ الطولونيون في مصر بعد هذا الزمان بقرون هذه الهندسة المعمارية في تشييد مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة ذو المئذنة الشهيرة المتميزة الشبيهة بأبراج معابد السومريون . .
ثم مالبث الأكاديون وهم قبائل كانت تعيش في صحراء العرب وذات أصول سامية أن تغلبوا على السومريون وأقاموا دولتهم في ذلك الوادي الخصيب لمدة ألف سنة وذلك قبل خضوعهم لحكم قبائل سامية أخرى قادمة من صحراء العرب أيضا يعرفون بأسم العموريون والتي كان حمورابي أشهر ملوكها على الاطلاق
بل وأشهر ملوك هذا الوادي الخصيب على الاطلاق وذلك بعد أن أقام هذا الملك الشهير مدينة بابل الشهيرة بحدائقها المعلقة التي تعد من عجائب أو معجزات العالم القديم
وما لبث الحيثيون أن غزوا بلاد ما بين النهرين مدمرين كل مظاهر الحضارة ومستلبين كل ما يستطيعون حمله ومحطمين ما عداه بعد اعمال القتل والابادة للأهالي والسكان وكانت فترة من فترات الاضمحلال والتخلف
لم يستمر الحيثيون طويلا في الاقامة ببلاد النهرين اذ قام الآشوريون بالحاق الهزيمة بهم وأقاموا بالوادي بمدينة " نينوي " عاصمة لملكهم يعبدون فيها آشور الههم ورب الصحراء الأعظم . . منطلقين منها لتأسيس امبراطوريتهم المترامية الأطراف التي امتدت الى كافة أنحاء آسيا الصغرى يحميها جيش قوي وتضم أجناس مختلفة
وفي هذا التاريخ غزا الكلدانيون بلاد ما بين النهرين وهم من الساميين وقاموا بتعمير مدينة بابل التي دمرها الحيثيون من قبل واعادوا اليها مجدها وتاريخها القديم حتى أضحت أهم عاصمة للبلاد في ذلك العهد . . وكان " بختنصر " من أشهر ملوكهم والذي قام بتشجيع العلوم والرياضيات وعلم الفلك حتى أن أساسيات هذه العلوم لا تزال تدين الى الكلدان في اكتشافها
الا أن غزو بختنصر لأرض فلسطين وهزيمته لدولة اليهود القائمة هناك أنذاك وتدمير أورشليم كان من أسباب شهرته الحقيقية في التاريخ
في عام 538 ق.م قامت بعض القبائل الهمجية من الرعاة القساة ذات الأصول الفارسية بغزو الوادي الخصيب والقضاء على دولة الكلدان في مسلسل استخدام القوة وسيلة لانشاء الحق وحمايته وأقامت في البلاد دون أن تقدم اضافة ما للحضارة الانسانية على مدة مائتي عام عندما قضى الاسكندر الأكبر عليها وأحال الوادي الى ولاية اغريقية قبل أن يحل الرومان محله عندما استطاعوا أن يرثوا امبراطوريته الواسعة بعد هزيمة خلفاءه من قادة جيوشه . .
وأخيرا استطاعت بعض القبائل التركية القادمة من الشمال الشرقي لبلاد ما بين النهرين من غزوها والاقامة فيها قبل سعيهم الى غزو البلدان المجاورة وصولا الى آسيا الصغرى وهزيمة الامبراطورية الرومانية الشرقية المسيحية وتأسيس الخلافة العثمانية التي ضمت واشتملت على كافة الأقاليم والبلدان التي كانت تدين بالاسلام في المقام الأول
كانت فئات أو طبقات المجتمع في الميزوبوتاميا تأخذ شكل التدرج التالي
طبقة الكهنة أو رجال الدين
وهي الفئة القائمة على شئون الدين وأموره والمعاونة للملوك ذوي الطبيعة الالهية والتي يحكمون بها الشعب والبلاد وكان الاله المعبود على اختلاف اشكاله هدفا تبنى من أجله المعابد وكان رجال الدين أو كهنة المعابد هي وسيلة الاتصال الوحيدة بين جموع الشعب الراغبين في نبل طاعة الالهة وبين معبودهم وهذه الطبقى كانت من الطبقات المتميزة لاتصالها بالملك ولطبيعة عملها وجوهرها الديني حيث يتم اختيار أعضائها بناء على أسس خاصة معينة وصارمة . .
طبقة الموظفين
الموظفون هم الأفراد القائمون على تيسير شئون وأمور أجهزة الدولة سواء في القصر الملكي أو دواوين العاصمة أو دواوين وادارات الأقاليم البعيدة المختلفة وكان الموظفون هم القائمون على هذه الادارات النختلفة والمتباينة باعتبارهم ممثلين للسلطة التي يرأسها الحاكم أو الملك ويستمدون منها سلطانهم فكانت لها الهيبة والنفوذ بين باقي السكان خاصة أنهم كانوا معفون من القيان بالأعمال اليدوية أو أعمال السخرة لاجادتهم بعض المهارات اللازمة للقيام بذلك العمل كان التعليم أهمها وان لم يكن كلها. . هذه الطبقة تتضمن كبار الموظفين من رجال القصر كالوزراء وقادة الجيوش والحرس ومسئولي الأمن وخلافهم
الفلاحين
وهي الطبقة التي تشكل مجموع الشعب الميزوبوتامي وهي الطبقة الرئيسية ليس في بلاد الرافدين فقط بل في كافة الحضارات الشرقية التي قامت حضاراتها على الزراعة حول روافد الأنهار هذا وقد انقسمت طبقة الفلاحين الى طبقتين الأولى وهم الفلاحين الملاك الأحرار وهم أفراد مالكين لمساحات صغيرة من الاراضي الزراعية تكفيهم بالكاد أو تزليد قليلا عن حاجاتهم وهؤلاء الفلاحين يستطيعون استثمار أراضيهم بحرية وسهولة وزراعة وبيع محصولها أو التصرف فيها أما الفلاحين الأنفار غير الاحرار وهم الأفراد الغير مالكين لأية مساحات من الأراضي الزراعية بل يشتغلون في الأرض الزراعية المملوكة في معظمها للملك
طبقة العمال
هذه الطبقة تتكون من العمال أو أصحاب الحرف الصغيرة ذات الانتاج المعاون لطبقة الفلاحين وخدمة الأرض الزراعية فهي الطبقة التي تقوم بأعمال البناء والتشييد واقامة المعابد والصناعات الصغيرة اللزمة للأحوال المعيشية اليومية وانتاج الآلآت الزراعية اللازمة للري وخدمة المساحات المنزرعة وصناعات النسيج والأواني وغيرها . .
طبقة التجار
وتتضمن هذه الطبقة الأفراد أو المواطنين العاملين في مجال التجارة وقد تميزت ميزوبوتاميا بموقعها الفريد كمركز متوسط بين الشرق والغرب وكانت منتجات الهند وفارس مطروحة في الاسواق ورحلات قوافلها تخترق أراضيها ذهابا وعودة صوب الشرق أو الغرب أو الجموب في اتجاه جزيرة العرب الأمر الذي عاد الى أصحاب هذه الطبقة بالأرباح الوفيرة وأتاح لها أن تكون قريبة من حاشية الملك
طبقة الأرقاء
كانت هذه الطبقة من الطوائف الهامة في ميزوبوتاميا وبخاصة في المجالات الاقتصادية للدور الحيوي التي تؤديه هذه السواعد العاملة في المجتمع وكان لها دور تاريخي هام في تأسيس واقامة حضارة بلاد ما بين النهرين مثلما كان لهذه الحضارة دور حيوي في حضارتي الاغريق والرومان بخلاف الحضارة الفرعونية التي خلت من مثل هذا الدور لطبقة الأرقاء
الطبقة الحاكمة والنبلاء
وهذه الطبقة من طبقات المجتمع الميزوبوتامي كانت تضم الملك وزوجته وأسرته وباقي أفرادها من الأمراء والنبلاء وهي طبقة جد قليلة العدد والتعداد وتحكمها مجموعة كبيرة ومحكمة من قواعد التوريث والزواج والمال تختلف عن السائد بين أفراد المجتمع
كانت ميزوبوتاميا هبة دجلة والفرات والتي تأسست على جنبات هذين النهرين ومثل كافة الحضارات القديمة التي تأسست في أحضان أودية الأنهار فان الحياة اعتمدت في الأساس على النشاط الزراعي الذي تميز في هذه المنطقة بمحاصيل الحبوب والنخيل وبساتين الفاكهة وما يلحق به من تربية حيوانات ومواشي تستخدم في الزراعة وتستغل ألبانها ولحومها في الطعام وبعض الصناعات المحلية المنزلية البسيطة وهو المجال الرئيسي لريع البلاد ومواردها
والذي يشتغل بها الطبقة الرئيسية من الفلاحين وباقي الطبقات من الأرقاء العاملين في خدمة الأرض أو الموظفين القائمين على ادارتها وحصر مواردها واجراء حساباتها كمورد من موارد الخزانة . .
فالمجتمع الميزوبوتامي مثله مثل باقي حضارات أحواض الأنهار فهو مجتمع زراعي كامل حتى أن التجارة والتي اشتهرت بها هذه البلاد بحكم موقعها كانت تدور عي الأخرى في فلك الزراعة ومنتجاتها
حتى أن التجارة في أزمنة ازدهارها عندما أخذت القوافل التجارية تمر بها الى الشرق الأقصى فان عماد هذه التجارة أيضا كان المنتجات الزراعية
اذن فان أوجه النشاط الاقتصادي في ميزوبوتاميا قد اعتمدت على نشاطين الزراعة . . التجارة ( المحلية أو الداخلية والخارجية أو الدولية )
ويمكن بسهولة رصد أهمية عنصري الاقتصاد في المجتمع الميزوبوتامي من مراجعة المجموعات القانونية المتتابعة لبلاد ما بين النهرين وبخاصة تقنين حمورابي الذي أفرد أجزاء كبيرة وموارد عدة تنظم مسائل هذان العنصران
اقتضت ضرورات الحياة في الحضارات التاريخية القديمة تدخل الدولة بشكل كبير ومؤثر في الحياة الاقتصادية بغرض تأمين وتوفير الأموال والموارد اللازمة للقصر والجيش وجحافل الموظفين اللازمة لادارة البلاد واقامة المشاريع القومية الكبيرة اللازمة بشدة في عهود تلك الحضارات مثل اقامة السدود وحفر الترع والمساقي والمصارف واقامة الجسور وغيرها من المشاريع الهامة والحيوية المؤثرة في نشاط الزراعة كوجه رئيسي للاقتصاد الداخلي القديم
اضافة الى أن تحصيل الضرائب والرسوم كمورد آخر من موارد خزينة الدولة هام وحيوي كان يستلزم مراقبة الأنشطة الاقتصادية وميادينها المختلفة بين المواطنين وبخاصة النشاط التجاري القائم في وجهه المحلي على النشاط الزراعي . .
ولهذا السبب نصادف في تاريخ حضارات كثيرة الأفكار السائدة عن ملكية الملك الاله حاكم البلاد لكافة الأراضي الزراعية وما تدب عليها من خيوانات ومواشي ومناجم ومحاجر وأنواع تجارة ويقتصر دور المواطنين المحليين على العمل بأجر