هو الإمام الحافظ المحدث أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى، اليحصبي، السبتي.
ولد بسبتة في منتصف شهر شعبان سنة (476هـ)، في أسرة عرفت بالعلم والفضل والورع والصلاح، وبها نشأ، فحفظ القرآن، وتفقه في كثير من العلوم على يد شيوخ عصره، منهم القاضي أبو عبدالله محمد بن عيسى التميمي، لازمه كثيرا للمناظرة عليه في المدونة والموطأ وسماع المصنفات، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر بن أحمد اللواتي المعروف بابن الفاسي، والحسن بن علي التاهرتي، وغيرهم، ثم رحل إلى بلاد الأندلس، ومرسية، وقرطبة وغيرها، طلبا للاستزادة من العلم، فكان من أبرز من أخذ عنهم هناك: أبو علي الحسين بن محمد الصدفي المعروف بابن سُكَّرة، -أجل شيوخ القاضي- وأبو محمد عبدالرحمن بن عتاب الجذامي ، وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، كما أجازه أكثر من واحد، أمثال أبي الطاهر أحمد بن محمد السِّلفي الأصبهاني، وأبي علي الحسين بن محمد الغساني الجياني، وعلي بن المشرف الأنماطي الإسكندراني، وغيرهم من شيوخه الذين عرّف بهم في كتابه الغنية.
جلس القاضي للتدريس والسماع بمدينة سبتة، وقرأ عليه الطلبة بعض مصنفاته، وكان يحضردرسه الكبراء والأعيان، وممن أخذ عنه خلق كثير منهم: أبو القاسم خلف بن بشكوال، وقرينه وبلديه محمد بن حماده السبتي، وإبراهيم بن يوسف المري المعروف بابن قُرقول، وأحمد بن عبدالرحمن الصقر الأنصاري الخزرجي، وعبدالرحيم بن عيسى الأزدي وغيرهم كثير، ولم يكتف القاضي عياض بالتدريس بل تولى الإفتاء والقضاء.
وغني عن البيان أن علماء المغرب والمشرق أجمعوا على سمو مكانته في العلم، وأثنوا عليه كثيرا، فقال عنه تلميذه ابن حماده: «حاز من الرياسة في بلده، ومن الرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعا وخشية لله».
وقال ابن فرحون: «كان القاضي أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه، عالما بالتفسير وجميع علومه، فقيها أصوليا، عالما بالنحو واللغة، وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، بصيرا بالأحكام، عاقدا للشروط، بصيراً حافظاً لمذهب مالك رحمه الله تعالى، شاعراً مجيداً، ريَّانا من علم الأدب، خطيبا بليغا صبورا حليما، جميل العشرة، جواداً سمحا كثير الصدقة، دؤوباً على العمل صلبا في الحق».
وقال الحافظ الذهبي: «عالم المغرب أبو الفضل اليحصبي الحافظ».
وقال السخاوي و ابن خلكان: «أعرف الناس في وقته بعلوم الحديث والنحو واللغة وكلام العرب وأنسابهم».
ألف تصانيف نفيسة في فنون متعددة، تناقلها أهل العلم شرقا وغربا وأثنوا عليها، ووصفوها بالجودة والإبداع، منها مشارق الأنوار الكاشف لكل موهم الذي قيل في حقه:
مشارقُ أنوارٍ تَبدَّت بسبتةٍ ومن عجب كون المشارقِ بالغربِ؟
وصنف إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم، والإلماع في علوم الحديث وشواهده، والإعلام بحدود وقواعد الإسلام، وترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، وغيرها من المؤلفات الحسان.
توفي القاضي رحمه الله بمراكش في شهر جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ودفن بباب إيلان داخل المدينة.
مختصر ترتيب المدارك لابن حماده (الورقة 4)، التعريف بالقاضي عياض لولده محمد، وفيات الأعيان لابن خلكان(3/483-485)، سير أعلام النبلاء(20/212-219)، الذيباج المذهب (2/43-48).